صالح والأحمر وخاصرة اليماني

اليماني لم تكن خاصرته مُرعبة، قدرما قيل عنه ان اليماني خاصرته مشحونة بسلاح ناري حى.!  .. اليوم الجمعة شقّته الملايين من الشعب اليمني الى جمعتين:

1.    جمعة التسامح بقيادة (صالح)

2.    وجمعة الرحيل بإنضمام (الأحمر) ..

هذا السلاح الشعبي الذي شق الشعب اليمني الى شقين دون سلاح ناري او أبيض، والملايين من الموجات البشرية المتفاقمة روافدها على خطّين مختلفين لشارعين مختلفين، اكتظّتا أخيرا على ساحتى التغيير والتحرير المختلفين، احداهما بقيادة الرئيس اليمني علي عبدالله صالح،  والأخرى بإنضمام أخيه غير الشقيق اللواء على محسن الأحمر، وانتهيتا المسيرتان على خطين متناقضين تماما، دون ان تطلق فيهما او بينهما رصاصة واحدة، ودون أن يُرى ولو سكينا واحدا معلقا في خاصرة اليماني.!

اليمنيون من اكثر شعوب المنطقة المدججين بالسلاح، تقول الإحصائيات التقديرية أن هذه الجماهيرالسلمية في شوارع صنعاء وحضرموت وتعز وحُديدة وغيرها من المحافظات اليمنية، لاتخلو بيوتها من ثلاثين الى خمسين مليون قطعة سلاح، ورغم ذلك كانت المسيرة المليونية اليمنية اكثر سلمية واقل دموية من المسيرات الأقليمية الأخرى، وهذا دليل كاف على ان الخوف لم يأت من السلاح نفسه قدرما يأتي  من عقلية صاحب السلاح، فالخطر قائم دائما من مجنون قد يقتلك خنقا او بحجارة وحطب وعصى وإن لم يكن مسلحا، والأطمئنان قائم دائما من العاقل وان كان مسلحا بحجم المحطة النووية لفوكوشيما التي في أقصى مساعيها لإنقاذ روح الإنسان في اليابان.

وأناشدُ شعبا رفض بكل شرائحه حمل السلاح في شوارعها، انه من الطبيعي ان يرفض هذا الشعب بكل قبائله وقياداته، إستخدام موانئ الإمارات واراضيها ممرا للأسلحة .. وان كان للقوعد شواذ، فإن العيون الساهرة لتلك الشواذ بالمرصاد في بلادي الآمنة والحمدلله.

طوبى لشرطة دبي اليقظة على المنظومة الأمنية للدولة وبكل منافذها البرية والبحرية والجوية بقيادتها الرشيدة الواعية لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد المكتوم، وبوركتي يا شرطة دبي على هذا المرصد بعيون الصقر، التي أوقعت في قعرالجحيم من إستهان بيقظة رجال الأمن في مطاراتنا وموانئنا، بإعلان شرطة دبي إحباط أكبر محاولة تهريب سلاح تشهدها المنطقة 16 الف مسدس ذات عيارات مختلفة صادرة من تركيا قيمتها 16 مليون درهم بتقدير المسدس الواحد بألف درهم، كانت متوجهة الى منطقة صعدة باليمن، فوقعت في يد رجال الأمن، وخير ما أطلقت عليها شرطة دبي بـ (قضية المصباح) .. لأن المصباح خير ما أراه لقبا يليق بأمن الإمارات، بأنها نورٌ لمن يستعين بها، ونارٌ على من يستهين بها.

والموانئ الاماراتية ومنافذها البرية والبحرية والجوية كانت دائما السباقة والملاذ الأول للحالات الإنسانية والشحنات الخيرية، ويذكرني ذلك بأيام الحصار العراقي المظلم من كل إتجاه على شعب العراق، ماعدى المصباح الاماراتي الوحيد، ومن ناقلة القول أذكر للقارئ الكريم ما أسعفتني ذاكرتني عن رجل أعمال عراقي في التسعينات إبان الحصار الدولي الشديد على العراق بُعيد الحرب الخليجية الثانية، فقال لي أن لديه خمسين مليون حقنة كوليرا مجانية للشعب العراقي من المنظمة العالمية للصحة، رحبت بها موانئ دبي دون رسوم، لكن إدخاله الموانئ العراقية يتطلب موافقة عدى النجل الأكبر لصدام حسين، ثم عاد وزارني هذا الشخص بعد فترة وبرفقته محامي عراقي، وهو يسرد ضمن الحديث "اخيرا استطعت الوصول الى عُدى، لكنه شارط الموافقة على إدخال هذه الأدوية الموانئ العراقية إيداع مليونين دولار في حسابه الخاص، وعندما شرحت  له: أن هذه منحة مجانية للشعب العراقي، أتاني الجواب باللهجة العراقية "بالجهنم خلهم يموتون"..!

واستوقفتني جملة (الرغيف بدل الأسلحة بـ 16 مليون، في تصريح معالي الفريق ضاحي خلفان قائد عام شرطة دبي، فأسأله الشعب اليمني بكل طوائفه وأعراقه وقبائله ماذا تريد من تلك المسيرات الحاشدة؟ .. هل تتظاهرون مميّزين بين الطموح وبين الطمع؟.

لأن الطموح هو ان نحلم بشي ونحقق ذلك الحلم بالعمل والكفاح والصبر والإستمرار، والطمع ان ننام على فراش، ونغمض العينين على نكهات القات، ونحلم أن مجرد رحيل رئيس سوف يأتينا النجاح على طبق من ذهب، وان نحلم بصاروخ يحملنا الى فوق السحاب، لنتاقسم الحصص على القمر أو نتحصّص المريخ، تماما كمن يحلم في موت ابيه ليرث كل شي بناه من الثروات الطائلة في لحظة واحدة، وتماما كمن يقرأ الصفحة الأخيرة من رواية البطولات، دون ان يعرف شيئا عن صحفاتها الاولى عندما كان البطل منبوذا في كفاحه المرير الشاق، كان ينام على الرصيف، ويمشي جائعا فوق الأشواك يبحث عن رغيف، وتماما كمن يجلس في الدرجة السياحية للطائرة، ويريد ان ينتقل منها فجأة الى درجة رجال أعمال، ثم الى الدرجة الأولى دون ان  يدفع تذكرتهما .. ثم يريد أن ينتقل منها مباشرة الى قمرة القيادة ليرمى القبطان من الشباك ويجلس مكانه بالطائرة وبأرواح من في الطائرة.

 

  • بقلم: الأستاذ/ أحمد إبراهيم (كاتب إماراتي)
  • رئيس مجلس إدارة مجموعة يوني بكس العالمية

مع خالص الشكر والتقدير للأستاذ أحمد إبراهيم ..

11 تعليقات

  1. أيمن بو حرزة28 مارس, 2011 01:00

    إنا من عشاق هذا الكاتب الفذ
    شكرا من الاعماق

    ردحذف
  2. كمال ناجي28 مارس, 2011 01:01

    يا لروعتك ..
    تلخيص رائع للواقع...

    ردحذف
  3. حافية على جسر الذهب28 مارس, 2011 01:35

    مقال رائع بأسلوب باحث لك كل الشـــــــــــــــــــــــــــــــــكر والتفدير استاذي المحترم

    ردحذف
  4. د. أيمن منصورة28 مارس, 2011 01:39

    أقتبس: لأن الطموح هو ان نحلم بشي ونحقق ذلك الحلم بالعمل والكفاح والصبر والإستمرار، والطمع ان ننام على فراش، ونغمض العينين على نكهات القات، ونحلم أن مجرد رحيل رئيس سوف يأتينا النجاح على طبق من ذهب

    مقاااااااااااااااال رائع تشكر

    ردحذف
  5. لايسعني إلا أن أقول يا يا شيخ الكتاب مبروك على هذه الكتابة الإبداعية المفصلة.. مربوطة بالكناية وإبداع الوصف الحقيقي الواقعي .. لأنك تلمس الحس الإنساني الواقعي وكأنك تقرأ ما في قلوبنا وأذهاننا .. راية بيضة يا أبو محمد..

    ردحذف
  6. الشعب اليمني الشقيق يتقدم بخطى واثقة نحو مستقبل واعد.

    ولكن هذا المستقبل لا يأتي من تلقاء نفسه إنه يأتي بالعما والمثابرة والمكابدة في ميادين الإنتاج بذات الروح التي تكتنفه الآن في الميادين العامة.

    نصيحتي للشعب اليمني حتى لا يقع فريسة للخلط بين الطمع والطموح:

    لا تظنن أن رحيل رئيس أو قدوم آخر سينقلن بلادكم فجأة من خريطة الجزيرة إلى أواسط أوروبا. لا تقعن في ذات الخطأ الذي ارتكبه بعض المصريين قبلكم.

    حينما ظنوا أن رحيل النظام كفيل بنقلهم من هوة الفقر إلى رغد العيش. الكفاح طويل.

    وبعض الناس لا يحبون بذل العرق حتى وإن شاهدوا من بذلوا الدم لرفعة أوطانهم.

    ردحذف
  7. إلى الأخ علي صاحب التعليق الأخير
    لم يكن المصريون يبحثون عن لقمة العيش فقط عندما خرجوا و لكن كان من ضمن طلباتهم, و لا أعتقد أن سعي الشعوب للتحرر من قيود الطغاة هو طمع في جاه أو سلطان أو رغد عيش, بل هو سعي لعودة الشعوب لمكانتها الأصيلة, و أنا معك في أن الطريق طويل و ليس معبداً و يحتاج الكثير من العمل و الصبر أيضا, و أنا معك أيضا أن هناك البعض يركنون إلى الكسل و اللامبالة و لكن صدقني هم قليلون جدا و يلفظهم دائما جموع الكادحين

    ردحذف
  8. نجوى عواش28 مارس, 2011 14:14

    احس من ثورة المعارضين أحيانا انهم يتبعون المثل الذي يقول ( مع القوم يا شقرا) من كثر عاطفة أهل اليمن الجياشة وطيبتهم تأثروا بأهل مصر وتونس وليبيا وقامو بمظاهرات يرديدون فيها تحسين اوضاعهم ولكنهم أدرجوها تحت عنوان رحيل الرئيس أسوه بأخواننا المصريين وغيرهم
    شكرا لك أخي الكريم الدكتور أحمد إبراهيم

    ردحذف
  9. قلما نجد كتابا (بضم الكاف والتشديد على التاء) لديهم المقدرة في شرح الاحداث التي تجري على ارض الواقع باسلوب يجعل القارئ وكأن الامور تحدث امامه. مقالاتك مملوئه بخليط من التوابل يطرب لسان جميع القراء.

    ردحذف
  10. أنا على يقين أن لقمة العيش ليس السبب الرئيسي في الثورات العربية الشعب العربي مكافح وممكن أن يتحمل الفقر ثم هم يعلمون جيداً أنه لن تكون هناك نقلة من حال إلفقر إلى حال الغنى مع رحيل الرئيس لكن هي النفس العربية الأبية التي لا تقبل الضيم .. تحياتي للكاتب الفذ الرائع ولكم أعزائي الكرام على تقعليقاتكم الرائعة ونقاشكم الحضاري..

    ردحذف
  11. أول مرة أزور مدونتك القيمة .. تهنئتي لك على المجود المبذول والرائع..

    ردحذف
أحدث أقدم