مرايا الياسمين

jasminum_officinale1

يمشي البنفسجُ للبنفسجِ‏

والشآمُ تتيهُ في ثوبِ القَصَبْ‏

مطرٌ جدائلُها.. يداها نخلتانِ‏

وصدرُها نهرُ اللَّهبْ‏

في جيدِها التَّاريخُ علَّقَ نهرَهُ ونهارَهُ‏

وببرقِها اختتمَ الصَّلاةَ‏

إلى قيامتها‏

وفي دمها انسكَبْ‏

تشرينُ قال لها اقطفي‏

لم ينْتهِ النَّارنجُ من صدري‏

وتلكَ سُلالتي‏

شجرُ الخلودِ لها انتسَبْ‏

* * *‏

الشَّامُ من أقصى المحبَّةِ أقبلَتْ‏

ريْحانُها الأمويُّ يقفزُ‏

في سلالٍ من ذهبْ‏

قمْ وارفعِ الراياتِ يا بنَ عساكرٍ‏

واغزلْ محبَّتها قباباً‏

يستظلُّ بها العربْ‏

هذا أوانُ الشدِّ قمْ واشهدْ لها‏

هي ذي على ماءِ الحريقِ تُريحُ جبْهتَها‏

وسمَّوْها لشدَّةِ صبرها.. "جملَ المحاملِ"‏

نادتِ الأحبابَ يوماً‏

وهي في عزِّ الملوحةِ‏

لم يجئْ أحدٌ ليسقيها‏

ومَنْ أعطَتْهُ يوماً نورَ عيْنيها انسحَبْ‏

لم تبكِ.. لكنْ أشعلتْ‏

بدموعِها خدَّ السُّحبْ‏

عادتْ دمشقُ إلى دمشق‏

وما تبدَّلَ صوتُها‏

قامتْ إلى المحرابِ تخطُبُ‏

في جموعِ الياسمينْ:‏

يا دارَ أحبابي وأهلي الطيّبينْ!!!‏

هاتوا عجينتكم أصبّ الزيتَ فيها‏

إنَّ زيتي لنْ يضيعَ معَ العجينْ‏

* * *‏

يا شامُ أنتِ بخورُنا‏

وزهورُنا‏

وعبورُنا الآتي إلى زمنِ الهطولْ‏

جاؤُوكِ في وَضَحِ الجفافِ‏

ليُطعموكِ إلى الذُّبولْ‏

عن غيمهِ تشرينُ شمَّرَ‏

قالَ للصَّفصافِ في بردى احتفلْ بقيامتي‏

واكسرْ عن الأوراقِ مرآةَ الذّهولْ‏

لا وقتَ للتّحليق في ماءِ الغيابْ‏

هذا أوانُ تساقطِ الأقمارِ‏

فوق بساطيَ الأمويِّ‏

فاسمعْ في دمائي‏

كيف تصطكُّ الفصولْ‏

أنا دورةُ الزّمنِ الذي لا ينتهي‏

سأخيطُ من وَجَعِ الرّمال سفينتي‏

وإلى الوصولِ أظلُّ أستبقُ الوصولْ‏

لقطاريَ الشَّعبيِّ طعمُ الرّيحِ‏

في بابِ الجبالْ‏

ولخبزيَ الوطنيِّ أجنحةٌ تقولْ:‏

مَنْ يبتعدْ عن نبعهِ القوميِّ‏

تلفظْهُ الحقولْ‏

* * *‏

يا رائحينَ إلى صبايا الأُرجوانِ‏

خُذوا دمي معكمْ حمامْ‏

الشَّامُ قُبلتنا وقِبلتنا‏

يمرُّ على نوافذها دمي‏

فيضئُ قبلَ أوانهِ‏

وعلى مساكبها ينامْ‏

طفلاً لجأتُ إلى أصابعها‏

وقد ذَبَحَ الغزاةُ حقيبتي ودفاتري‏

طفلاً أتيتُ على عصا التذكارِ متّكئاً‏

أدقُّ الليلَ من بابٍ لبابْ‏

ودمي المسافرُ في دمي‏

يتعقَّبُ القمرَ المعلَّقَ في الضبابْ‏

ألقَتْ عليَّ رداءَها الفيحاءُ‏

غطَّتْ جانحيَّ بغوطتْيها‏

كانتْ تُمشّطني.. وتطعمُني‏

تماماً مثلَ أمي أستظلُّ بساعديها‏

حينَ أذرفُ دمعةً‏

كانتْ تنشِّفُ وجنتيَّ براحتيها‏

ثم تُعطيني عروسةَ زعترٍ‏

أبكي عليها‏

دارتِ الأيَّامُ.. أذكرُ أننَّي‏

فكرَّتُ يوماً أنْ أغادرَها‏

إلى قمرٍ سواها‏

حينما صافحْتُها اشتعلتْ‏

يدايَ على يديها‏

غادرْتُها ليلاً... فما اتجهتْ خُطايْ‏

إلاَّ إليها‏

* * *‏

طوبى لقنديلِ الزَّمانِ‏

على فتيلتهِ يُؤَذَّنُ قاسيونْ‏

الشَّامُ جُذوتُه التي لا تنطفي‏

ولأنها استعصتْ‏

على الرّيحِ اصطفاها الوردُ‏

عاصمةً له‏

ولأنّها أحلى النّساءِ‏

من القلوبِ عقودُها صيغتْ‏

وحبَّاتِ العيونْ‏

الشَّامُ قلعةُ مجدنا‏

لا عيبَ فيها‏

غيرَ أنَّ رغيفَها الوطنيَّ ليسَ لها‏

وأنَّ الملحَ فيه لا يخونْ‏

يا أيُّها الوطنُ المشجَّرُ بالنوارسِ والصَّدى!!!‏

قلبي عليكَ‏

إذا أردْتَ بأنْ تكونَ مجهَّزاً للحربِ‏

فاذهبْ أوَّلاً للحبِّ‏

ثم اقرأْ على الأشجار قرآنَ الندى‏

إذهبْ.. ولا تجنحْ إلى سلْمٍ‏

حمائمُه تحاصُرها سكاكينُ العدى‏

هذا ابتداءُ المهرجانِ اللَّهُ أكملَ صُنْعَهُ‏

سبحانَ مَنْ ساقَ الغمامَ‏

على بُراقِ الشَّامِ‏

وابتكرَ الولادةَ من مخاضِ السَّنبلهْ!!‏

أنا ذاهبٌ يا شامُ منكِ إليك‏

منكِ إلى الجليلِ البرقُ فاتحتي‏

وأنتِ البسْملَهْ‏

أنا ذاهبٌ تقتادني للعشقِ شمعةُ حنظلَهْ‏

ولأننّي وطنٌ بلا وطنٍ‏

سأُطْلقُ جمرتي تلتفُّ حولَ المرحلَهْ‏

حتى تبينَ البسمةُ البيضاءُ‏

من حجرِ الدّموعِ المُقْفلَهْ‏

أنا ذاهبٌ.. ودمي مرايا الياسمينِ‏

إلى غيومي المقبله‏

أنا ذاهبٌ أصطافُ في دمها‏

أُخيِّمُ تحت مشمشِها المعطَّرِ بالغمامْ‏

بذراع قلبي أمسَكَتْ.. وتلبَّستْني‏

يا حمامَ الشَّامِ صدِّقْ.. لا تصدِّقْ‏

كلَّ ما يُدّلي به للريحِ عشاقُ الظلامْ‏

لبسوا خديعتَهم وقالوا‏

مثلكم نهوى السَّلامْ‏

حبرٌ على ورقٍ.. رمادُ الحبرِ هل ينمو‏

على ورقِ الغبارْ؟؟‏

الشامُ قلعةُ حبِّنا ‏

ولها يغنّي العاشقونْ‏

ولأنها أحلى النساءِ‏

من القلوبِ عقودُها صيغتْ‏

وحبَّاتِ العيونْ‏

لا عيبُ فيها‏

غير أنَّ رصاصَها يمشي‏

على قدمينِ من نارٍ ووردٍ‏

أقسمتْ ألاَّ تهونَ.. ولن تهونْ‏

لا عيبَ فيها‏

غيرَ أنَّ رغيفَها الوطنيَّ ليس لها‏

وأنَّ الملحَ فيه لا يخونْ‏

  • صالح هواري

1997‏ القيت في قصر الثقافة (مكتب عنبر) بمناسبة مهرجان دمشق الرابع للثقافة والتراث. تحت رعاية السيد محافظ مدينة دمشق الأستاذ محمد زهير التغلبي‏

في 25/9/1997.‏

2 تعليقات

  1. ممدوح فصال02 يناير, 2011 15:35

    يسلمووووووووووووووولي الياسمينا الحلوين انا

    ردحذف
  2. ابداع شكرا للروعه حتى لشعرت انني اشم رائحة الياسمين

    ردحذف
أحدث أقدم