لا أريد الدخول فيما نشأ بين الشيخين العبيكان والسديس حول الصحابي الجليل ابن اللتبية ــ رضي الله عنه ــ (ويقال اسمه عبد الله) علاقته بالسرقة وسحب ذلك الموقف للتدليل أن سراق المال العام هم من نسل ذلك الصحابي (ليس نسبا وإنما سلوك).
وأميل لرأي الشيخ عبد المحسن العبيكان في عدم جواز تطابق حالة الصحابي مع سراق المال العام في هذا العصر أو الذي قبله أو الذي سيأتي بعده، فكلنا يعلم أن السرقة هي إخفاء وتستر على المسروق بينما الصحابي عبد الله بن اللتبية أخبر بأنه حصل على أموال أو هدية مقابل عمله، فبين له الرسول (صلى الله عليه وسلم) أن حصوله على ذلك المال ليس لشخصه وإنما لاقترانه بعمل منحه تلك الوجاهة، فعن أبي حميد الساعدي قال: «استعمل رسول الله ابن اللتبية ــ رجلا من الأزد ــ على الصدقة، فجاء بالمال فدفعه إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فقال: هذا لكم، وهذه هدية الصدقة. فقال له رسول الله: أفلا قعدت في بيت أبيك وأمك فتنظر أيهدى لك أم لا» ــ أو كما قال صلى الله عليه وسلم؟
وفعل الصحابي به إظهار لما حصل عليه من مال أو هدية ولم يتستر أو يخفي أو يزور ما حدث معه، وبالتالي تنتفي جريمة السرقة، فهو لم يسرق أو يتحايل والواقعة (في سياقها) هي واقعة تشريعية أراد الله ــ عز وجل ــ منها أن تكون تشريعا من خلال مقولة الرسول (صلى الله عليه وسلم) من أن ما يهدى إلى أي مسؤول إنما تكون الهدية لوظيفته طمعا في تجاوز أو تواطؤ.
وليس هنا بيت القصيد.
وبيت القصيد أن أي منهج يضم منظرين ومرتادين إنما يتحرك في سياق معرفي يبدو ساكنا ومتفقا عليه بينما في حقيقة الأمر هناك اختلافات بين منظري المنهج الواحد، واختلافات (تبتعد أو تقترب) من المناهج الأخرى.
وهذا الاختلاف (في المنهج الواحد) يحرص أربابه على عدم تفشيه واتساعه على الأقل بين العامه، لذلك نرى أن الشيخ السديس فطن للأمر ولم يستجب لدعوات الصحف في التعليق على ما قاله الشيخ العبيكان حين حاولت بعض الصحف جذبه للرد فقال (أنا في نظري تهدئة الأمر ولا داعي للإثارة، وتلك وجهة نظري ولا أرى حتى نشره عندكم إن كنتم تريدون جمع الكلمة وعدم إثارة أهل العلم)
فتهدئة الخلاف في المنهج الواحد أمر ضروري لسلامة المنهج من الاختلاف، وإذا كان الأمر بهذه الصيغة، يكون تهدئة الأمر في الاختلافات المذهبية أكثر إلحاحا لسلامة الإسلام والمسلمين من الفرقة.
وما كتبته منذ يومين تحت عنوان (بكاء من المساجد) ما هو إلا تواصل مع مثل هذه الدعوات، فليس من الممكن أن يكون العلماء حريصين على عدم فرقة علماء مذهب واحد بينما يكونون مفرطين في وحدة أمة كاملة من خلال إثارة الاختلافات المذهبية.
ولم أكن أدعو مذهبا واحدا بالتزام سياسة ضبط النفس وإنما كان الحديث موجها للجميع طوائف الأمة الإسلامية بمذاهبها المختلفة.
فلم يعد الاختلاف حبيس حلقات الدرس أو أركان المسجد بل غدا أي اختلاف مسموعا في مشارق الأرض ومغاربها ومن هنا ليست الخطورة من اختلاف علماء أنفسهم وإنما اشتعال الطائفية في نفوس المتبعين والمريدين وتحويل الاختلاف العلمي إلى تناحر وشق صفوف الأمة.
لذلك على خطباء المساجد حمل أمانة وحدة الصف وعدم الحديث في الاختلافات، فما شأن عابد قدم لسماع خطبة موعظة أن تجره إلى اختلافات عمرها مئات السنين ومعظمها اختلافات سياسية وليس دينية.
لذلك لا نريد أن يتحول المسجد إلى موزع بطاقات كراهية بين أطياف الأمة الاسلامية.
- بقلم: عبده خال
- زاوية أشواك - صحيفة عكاظ - 16/1/2009