رصدت دراسة حديثة الطريقة التي تعمل من خلالها الذاكرة وكشفت عن الأسباب التي تجعلنا نُقدِم على تكرار ما نقوله أو نفعله مع الأشخاص نفسهم الذين حدثت معهم تلك المواقف أو مع غيرهم. وأكدت تلك الدراسة التي نشرت نتائجها أخيرًا في مجلة علم النفس أن المسألة لا تقتصر على محور الخوف غير المنطقي، وقام علماء النفس في تلك الدراسة الطويلة التي ركزوا خلالها على الذاكرة بعمل فروق مهمة بين نوعيات طويلة وقصيرة الأجل. وقاموا بتوثيق فروق جوهرية بين الذكريات الواضحة، وبين مهارات القيادة.
أشرف أبوجلالة من القاهرة: مشاعر نفسية متباينة قد تتسلل إلينا في بعض الأحيان في إطار حسابات التوازن النفسي للأفراد، كبارًا كنا أو صغارًا، أقرباء أو غرباء، عندما يتعلق الأمر بتكرار أمور سبق لنا أن تحدثنا عنها أو أقدمنا على فعلها مع أشخاص آخرين. وقد رصدت دراسة حديثة الطريقة التي تعمل من خلالها الذاكرة وكشفت عن الأسباب التي تجعلنا نُقدِم على تكرار ما نقوله أو نفعله مع الأشخاص نفسهم الذين حدثت معهم تلك المواقف أو مع غيرهم. فعلى سبيل المثال، قد نسرد قصة معينة على مسامع أحدهم، وبعد فترة قد نعود لسردها مرة ثانية أو ثالثة، وفي كل مرة تتفاوت درجة رد الفعل من جانب المتلقي.
وقد أكدت تلك الدراسة التي نشرت نتائجها أخيرًا في مجلة علم النفس أن المسألة لا تقتصر على محور الخوف غير المنطقي كذلك. وتنقل هنا صحيفة النيويورك تايمز الأميركية عن نيغل غوبي، زميل أبحاث في معهد روتمان للأبحاث بتورونتو، قوله :" تسمع أناس من مختلف الفئات العمرية، وليسوا كبار السن فحسب، يقولون (أبلغني إن كنت قد أخبرتك بذلك من قبل ). نواجه صعوبات في أغلب الأحيان بالنسبة إلى تذكر الأشخاص الذين حادثناهم، ومن الواضح أن تلك العملية تبدأ في وقت باكر". وقد قام علماء النفس في تلك الدراسة الطويلة التي ركزوا خلالها على الذاكرة بعمل فروق مهمة بين النوعيات الطويلة والقصيرة الأجل. وقاموا بتوثيق فروق جوهرية بين الذكريات الواضحة، كالأوجه والأفراد، والنوع الضمني مثل مهارات القيادة.
وفي هذا الشـأن، قام الباحثون بنشر مئات الدراسات عن الذاكرة الشخصية، والذكريات الكاذبة، وما يسمى بذاكرة المصدر- أو القدرة على تذكر المكان الذي تم فيه تعلم إحدى الحقائق، سواء من الإذاعة أو من كتاب، أو من زميل في العمل أو من حديث جانبي مع أحد الجيران. لكنهم لم يكترثوا كثيرًا بما أطلق عليه غوبي وزميله كولين ماكلويد من جامعة ووترلو في أونتاريو، ذاكرة المقصد: وهي المتعلقة بهوية الشخص المُستقبل للمعلومات. بينما يكون مصدر المعلومات التي يمكن تذكرها غاية في الأهمية. وهنا يؤكد الباحثون على أن القصص والنكات والقيل والقال تشكل جزءًا مهمًّا من هويتنا الاجتماعية.
ويلفتون الانتباه في الوقت ذاته كذلك إلى أن تكرار النفس لا يكون أمرًا محبطًا فحسب، وإنما يكون مدمرًا، للدبلوماسيين أو الكذابين أو أي شخص يحاول إخفاء الأسرار، شخصية كانت أو مهنية. ويقول موريس موسكوفيتش، الطبيب النفسي في جامعة تورونتو :" أعتقد أن الناس يحصلون ببساطة على مزيد من الممارسة في رصد ومراقبة مصادر المعلومات، سائلين أنفسهم وغيرهم ( ما مصدر تلك المعلومات ؟ ) ( في حين كان من النادر الحصول على أية ردود بشأن الشخص الذي نتحدث إليه أو نخبره )".
وربما كان الاكتشاف الأهم الذي توصل إليه غوبي وماكلويد هو أن ذاكرة المقصد ضعيفة إلى حد ما – وتساعد على توضيح العديد من أنواع التفاعل الاجتماعي المحرج والمزعج. وقد خلص الباحثون من واقع تجربة أجروها على مجموعة من طلبة جامعة ووترلو إلى أن المعلومات الخارجة كانت أقل اندماجًا مع سياقها البيئي، أي الشخص عن المعلومات الواردة. وهو الأمر الذي يعتبره العلماء أمرًا منطقيًا في ضوء ما هو معروف عن الانتباه: أي كونه محدودًا. ويشيرون إلى أن الشخص الذي يقوم بنقل المعلومات، بما فيها الحقائق التافهة، سوف يُخصِّص جزءًا من تفكيره لرصد ما يُقال. ويعتبر الاستيعاب الذاتي واحدًا من العوامل المتحكمة في الأمر.
ويخلص الباحثون في النهاية إلى أن الميل للتأمل فيما قلناه ولمن ربما يعكس في واقع الأمر طريقة عمل الذاكرة السليمة. وقد وجد علماء النفس مجموعة من الأدلة التي تثبت أنه وعند قدوم الأشخاص على إعادة تعيين كلمة سر أو رقم هاتف جديد لصديق قديم، تقوم أدمغتهم على نحو نشط بإلغاء الأرقام القديمة. وتتحول تلك الأرقام لما يمكن اعتبارها ذاكرة متنافسة، ويحتمل أن تكون مربكة. بينما لا تكون دائمًا القصص المكررة محرجة اجتماعيًا أو زائدة عن الحاجة. كما وجد الباحثون أن ذكر اسم المتلقي يزيد من دقة ذاكرة المقصد الخاصة بهم. ويؤكدون في الوقت ذاته أيضًا على أن تمكنهم من التوصل لصيغة فهم أفضل لتلك النوعية من الذاكرة قد يساعد الأطباء في الكشف عن مشاكل الذاكرة المرتبطة بالسن في وقت مبكر على سبيل المثال. وقد تكون ذات أهمية بالنسبة إلى بعض نماذج الطريقة التي يمكن أن تعمل من خلالها الذاكرة.
بقلم: أشرف أبو جلالة
عن جريدة إيلاف الإلكترونية