يعتبر"البخشيش" ظاهرة عالمية وصورة اجتماعية ثابتة في معظم دول العالم، اذ يختلف مفهوم"البخشيش"عبر المجتمعات المختلفة وبين أفراد وفئات المجتمع نفسه، فهناك من يؤيده بوصفة وسيلة تعبير جيدة للامتنان والرضا عن الخدمة المقدمة، وهنالك من يراه صورة من صور الوجاهة والاعتزاز، كما تجد من يراه وسيلة للابتزاز في المطارات وأماكن التسوق والمطاعم وأكثر تفاصيل الحياة اليومية.
البخشيش ثقافة مستوردة
يقول وليد سالم الحسيكي، موظف في شركة:"لا أقبل"البخشيش"كوني أعمل في وظيفة ولا حاجة لي به،فهو يمثل ثقافة أناس آخرين ففي أمريكا مثلاً إذا لم تعط العامل الأمريكي فأنت تخالف عرفا سائدا أشبه بالواجب لكنه عندنا نادر، ويعطى لغير السعوديين حتى السعوديون أنفسهم غيرمستعدين لإعطاء ابن بلدهم"البخشيش"وأضاف أعتقد أن المجتمع يعارض هذه الثقافة ككل، ربما بعض الأثرياء الذين ينظرون لبعض فئات المجتمع الكادحة من أبناء البلد بنظرة دونية يقومون بتبني هذه الثقافة وممارستها واقعاً عملياً دون أدنى تأنيب ثقافي أو وطني وأتوقع أن المنهج السائد في أوساط الشباب السعودي هو"السعودي يعطي"البخشيش"ولايقبله".
وهنا أقصد البخشيش الذي يعطى لمن يقدم لك خدمة في مطعم، أو فندق، أو تاكسي، و خلافه، والمجتمعات الأخرى تقبل ذلك بتفاوت.
وقال إن الإشكالية الوحيدة أن نظرة من يقدم له "البخشيش" تختلف حسب مقداره .
أما الشكل الآخر من "البخشيش" وهو الخطير، فهو الرشوة التي تعطى مقدماً لشخص يملك القرار أو المعلومة التي يمكن أن يترتب عليها كسب مادي أو معنوي كبير على حساب منافسين آخرين بدون وجه حق. مثلاً المشاريع التي يسعى المقاولون للفوز بها من خلال دفع مبالغ كبيرة لمن يملكون قرار ترسية مشروع ما،أوما يدفع لأشخاص لهم وزنهم لاستلام مشروع لم ينفذ حسب المواصفات، ويتوقع أن ينهار على المستفيدين منه قريباً، أو لا يفي بالغرض المرجو منه..
طبيعة البلد ترفضه
أماسعد الشمراني فيقول:"قد يكون البخشيش بمفهومه العام بل وحتى الخاص غير سائد بين أفراد المجتمع السعودي داخل البلد وإن كانوا يمارسونه أحيانا خارجه،وذلك لطبيعة البلد المتحفظة وربما لعدم وجود مبررات لدفعه عند البعض وارتفاع مستوى المعيشة ومحدودية النشاط السياحي، وقال:إنها ثقافة مرفوضة نظرا لأنه ليس هناك عدد كبير من الناس يدفع البخشيش وأدفعها خارج المملكة لتيسير أموري.
البعض يراه رشوة
وعن ثقافة "البخشيش"لدى المجتمع السعودي قالت المعلمة "منى حسين " ينظر البعض إلى البخشيش باعتباره رشوة،ويراه البعض انه من الذوق والاتيكيت والكرم، أو الحسنة الخفية لبعض العاملين من الجنسيات الوافدة أو من باب التفاخر والتباهي لإظهار القدرة على منحه في المطاعم أو الفنادق وغيرها من الأماكن.
وأضافت منى وما أعرفه أن البخشيش عادة غربية وتعني ترجمتها إعطاءه للحصول على خدمة سريعة وجيدة،أما في العالم العربي فيعود أصله إلى الأتراك الذين شكلوا جزءاً كبيراً من ثقافة المنطقة.
وقالت إن ثقافة البخشيش عند المرأة السعودية عالية جدا وهي تعتبرها إما وجاهة أو صدقة مبينة أنها تدفعه غالبا في مراكز التجميل عند من تقدم لها خدمات مميزة من قبل العاملات أو الخبيرة غير السعودية أما إذا كان الموظفة سعودية فإنني اترك لها المبلغ المتبقي كإكرامية على تفانيها في الخدمة وأضافت أن المرأة السعودية أكثر قناعة بتقديم البخشيش نظير الخدمات .
أحيانا يكون عطفا
وترى وفاء الحاوي " ربة بيت "أن تقديمها للبخشيش يكون بناء على إحساسها بالعطف على العمالة الوافدة التي تعمل في مجالات صعبة مبينة أنها تقدمه وتعتبره صدقة ومعونة وأنها تلاقي من خلاله ابتسامة الرضا خاصة من العمالة ذات الظروف الاقتصادية السيئة وقالت إن السيدات السعوديات يقدمن البخشيش عندما يجدن تعاونا من العاملين في أي مطعم أو بوفيه أو بقاله تقديرا لهذه الخدمات ولتفهم العمال طبيعة ووضع المرأة السعودية.
انتشاره في المجتمع السعودي
وفي حوارنا مع سيدة الأعمال السعودية نورة مهدي الرافعي أشارت إلى أن البخشيش ينتشر في المجتمع السعودي بنسبة تتراوح من 60 إلى 70 % وكثيرا ما تقبل المرأة السعودية على منحه مبينة أنها تدفعه للشخص الذي تشعر انه تفانى في خدمتها وقدم لها خدمات إضافية مبينة أنها تقدمها من باب المساعدة والصدقة والتقدير على الخدمات التي قدمت لها.
وأشارت أنها لا تمانع في دفع البخشيش لأي موظف سعودي يقوم بمساعدتها على انجازعمل ما مع العلم أن الشاب السعودي يرفضه ويعتبر عمله بمثابة اخلاص لواجباته وأمانة لعمله ويعتبر البخشيش إهانة،وانتقدت الرافعي البخشيش في بعض الدول الذي يجبر فيه الشخص على دفع مبالغ على أمور لا تستحق الدفع مثل دخول دورات المياه أو في مواقف السيارات أولبواب العمارة ، وغير ذلك من خدمات تكون من حق السائح أو الزائر للمكان كما أن هناك من الأفراد لا يكون لديهم عمل سوى القيام بهذه الخدمات البسيطة وذلك طمعا في البخشيش مبينة أن فكر المجتمع السعودي تجاه دفعه للعمالة الوافدة في تزايد حيث إن معظم الذين يدفعونه يكون من باب المساعدة والصدقة وطلب خدمات مميزة وأوضحت أن البخشيش في السعودية يبدأ من ريالين فخمسة وعشرة ريالات .
البعض يفهمه حقا
ورأت الأستاذ المساعد لعلم النفس التربوي بكلية التربية للبنات الأقسام الأدبية الدكتورة أماني سعيدة أن ثقافة البخشيش هي ثقافة وافدة ومرتبطة بالاستعماروهذا سرانتشارها في العديد من الدول مقارنة بالدول الأخرى وقالت إن هذه الثقافة غير مفعله في المجتمع السعودي كغيره من المجتمعات وذلك يتضح عند إعطائه لأي شخص من الوافدين بحيث تبدو عليه علامات الاستغراب الممزوجة بالفرح . ورأت سعيدة انه يعطى تقديرا للشخص نتيجة عمل مميز قام به وقالت:إن الشكل السلبي منه هو أن يتحول إلى تسول أو إلى رشوة وقد عملت العديد من الفنادق الكبيرة في العالم على إلزام موظفيها بعدم قبول البخشيش فالشاب المثقف الواعي لا يقبله ويعتبره إهانة إلا إذا كانت لديه ظروف قاهرة لقبوله .وأضافت إن البخشيش وللأسف أصبح يفهم في كثير من بلاد العالم وكأنه حق وواجب وأصبح مجالا للمتطفلين من الذين لا يقدمون الخدمات الا بعد دفعه .
الأمر حسب النية
إلى ذلك أوضح عضو مجمع الفقه الإسلامي الدكتور محمد النجيمي عن حكم البخشيش في الدين فقال :" إن هذا الأمر مبني على نية الشخص نفسه بمعنى انه إذا كان لا يعمل ولا يهتم في عمله ولا يخلص فيه إلا من اجل البخشيش فان هذا لايجوز لأنه يصبح بذلك رشوة ، أما إذا كان المبلغ المعطى يعتبره إكرامية من الإنسان لموظف يعتبره فقيرا ومسكينا و يرى انه يستحق المساعدة ولا يؤثر ذلك على عمله ولا يكون ذلك سببا في ضعف أداء الخدمة وإنما هو مجرد عناية فهذا جائزة ، وكذلك إذا كان عند البعض لا يسير العمل إلا بدفع الشخص مبلغاً له فهذه رشوة ولا يجوز أيضا ، فيختلف اخذ الرشوة من رفضها بحسب النية لكلا الطرفين ."
- صحيفة الرياض السعودية 28 أكتوبر 2009
- أبها، تحقيق ـ مريم الجابر