أسعد كثيرا بملامح وعي مختلف أراه يتخلق ويتبرعم في بعض الآراء التفاعلية للسيدات والفتيات، سواء على موقع "الوطن" الإلكتروني أو على المواقع الأخرى! كما ألمس ملامح هذا الوعي عند شريحة من الفتيات الواعيات اللواتي يدركن تماما أن ما يقدم لهن من خطاب لا يعبر عن حقوق المرأة في الإسلام! بل يتحدث بلسان ثقافة ذكورية حاولت وتحاول عبر الأزمان طمس تلكم الحقوق، بل إن ما يقدم لها على أساس أنه مقدس -كونه خارج من تحت عباءة دينية - ليس إلا قراءات بشرية خضعت لظروف عصرها ومقتضيات زمانها، ولابد أن تخضع اليوم لفقه الواقع الجديد!
أسعد بما أراه من ملامح هذا الوعي، لأنه لا يضيع حق وراه مطالب، ولأن كثير من صور الظلم الاجتماعي الواقع على المرأة في مجتمعنا يتم بختم موافقتها هي عليه، ورضاها بدور الضحية التي تستعذب سياط جلادها! فهناك تربة مخصبة ومهيأة لتقبل الظلم عند المرأة نفسها، وهذه التربة صنعت على يد الثقافة السائدة المكرسة لدونية المرأة!
وهناك أيضا تعتيم مقصود على كثير من حقوق المرأة في شريعتنا الغراء كحقها في الاشتراط بعقد النكاح، لتضمن حقوقها وتتوثق من عدم إخلال الرجل بها! وكان الإمام المجدد محمد عبده قد قدم رؤية تنويرية في موضوع الطلاق مستمدة من واقعه الاجتماعي وما رآه من ظلم يقع على المرأة، فيقول: (لا طلاق إلا أمام القاضي أو المأذون وبحضور شاهدين على الأقل وذلك بعد الاستمهال أسبوعا للتفكير، وبعد أن يقدم الحكمان واحد من أهله وآخر من أهل الزوجة تقريرا باستحالة العشرة وفشلهما في التوفيق بين الزوجين)! ولا يكتفي الشيخ بذلك ولكنه يضيف :(لا يمكن – مهما ضيقنا حدود الطلاق – أن تنال المرأة ما تستحق من الاعتبار والكرامة إلا إذا منحت حق الطلاق، ومن حسن الحظ أن شريعتنا النفيسة لا تعوقنا في شيء مما نراه لازما لتقدم المرأة، علينا أن نعمل بمذهب غير الحنفية، لأنه حرم المرأة في كل حال من حق الطلاق، حيث قال الفقهاء من أهله " إن الطلاق منع عن النساء لاختصاصهن بنقصان العقل ونقصان الدين وغلبة الهوى " مع أن هذه الأسباب باطلة، لأن ذلك إن كان حال المرأة في الماضي فلا يمكن أن يكون حالها في المستقبل، ولأن كثيرا من الرجال أحط من النساء في نقصان الدين والعقل وغلبة الهوى، أو أن يستمر العمل على مذهب أبي حنيفة، ولكن تشترط كل امرأة تتزوج أن يكون لها الحق في أن تطلق نفسها متى شاءت وتحت شرط من الشروط، وهو شرط مقبول في جميع المذاهب) ولو نظرنا إلى ما يحدث في قضايا الخلع، وهجران الزوج لزوجته، والطلاق التعسفي، والتفريق على أساس عدم كفاءة النسب، وإساءة استخدام الولاية والقوامة لتصبحا سيفا مسلطا على عنق المرأة لأدركنا مدى ابتعادنا عن حقوق المرأة في الإسلام!
ما أحوجنا اليوم إلى مدونة أحوال شخصية وإلى فقهاء شجعان يساهمون في تحرير خطاب المرأة من إرث العادات والأعراف!
أمل زاهد - صحيفة الوطن السعودية 17 أكتوبر 2009