بقلم: هويدا صالح -- في الذكرى التاسعة والثلاثين لرحيل جمال عبدالناصر يطرأ سؤال يلح عليّ كل عام منذ أن كنت صغيرة وعلمني أبي الناصري الهوى حب جمال عبدالناصر، ورغم أنني ولدت قبل رحيله بعام، ورغم أنني شاركت كثيرا مع بعض المثقفين في انتقاد مرحلته بعنف، ورغم ذلك كثيرا ما شعرت بهزة عنيفة ترج كياني كله حين تعرض جنازته في التلفزيون، وكيف كانت الجماهير تصرخ بعنف حين رحيله "يا جمال يا حبيب الملايين" ترى ما الذي جعل ناصر حبيب الملايين رغم التجاوزات المرعبة في فترة حكمه، ورغم انتقادات الجميع لتلك الفترة، ورغم هزيمة عام 1967 والتي أثرت سلبيا في كل شيء في مصر، حتى ذلك الانكسار الذي طال الشخصية المصرية حتى اليوم، ترى ما الذي جعل الشعب المصري يعشق جمال عبدالناصر وينتقد فترة حكمه، يحبه ويكره التجاوزات في عصره؟
ولأجيب على هذا التساؤل الذي لابد أنه راود الكثيرين أعود بالتاريخ قليلا لأدلل على حكمة الشعب المصري حين يحب أحد الزعماء، ليس صحيحا ما يشاع أن الشعب المصري شعب خانع يعشق حكامه وقاهريه، ليس صحيحا تماما، صلاح الدين الأيوبي الذي خلده التاريخ الرسمي وخلّد انتصاراته بإعادة القدس وجمع كلمة العرب المتفرقين حينئذ لم يحبه الشعب المصري، ولكنه أحب شخصية أخرى وخلدها بكتابة سيرة شعبية لها وأقصد الظاهر بيبرس الذي أظهره التاريخ الرسمي أنه مجرد مملوك قتل الأمير قطز السلطان السابق عليه بعد أن حقق انتصارا رائعا في عين جالوت، ترى لماذا خلّد الشعب في ذاكرته الشفاهية بيبرس ولم يخلد صلاح الدين؟ ترى لماذا عشق الشعب المصري جمال عبدالناصر مع هزيمة ونكسة 1967، ولم يعشق السادات مثلا بنفس القدر رغم انتصار أكتوبر الخالد؟ الإجابة في تقديري تبدو بسيطة وواضحة، الشعب المصري أحب وخلّد الظاهر بيبرس لأنه تحقق في عصره العدل الاجتماعي، ورفع قبضة المماليك التي كانت قوية عن الشعب المصري، ونسي أن يخلّد صلاح الدين لأنه افتقد في عصره العدل الاجتماعي، حيث كان يحكمهم في عصره نائب له يُسمى السلطان "قراقوش"، ضُرب به المثل في الدكتاتورية والظلم والتسلط، حتى أن الواحد منا حين يرغب في أن يصف مدى تسلط وظلم حاكم أو رئيس يصف حكمه بـ "حكم قراقوش".
إذن المعيار والفيصل هو العدل الاجتماعي، المساواة وهذا ما حلم به الشعب المصري مع الزعيم، سعى جمال عبدالناصر إلى تحقيق العدل الاجتماعي، فحلم معه الشعب، صحيح أن هذا العدل لم يتحقق تماما معه، لكنه على الأقل سعى إلى تحقيقه، وهذا ما خلّده في الذاكرة الشعبية للشعب المصري، الذي يداوم البعض على اتهامه بالخنوع والاستسلام للظالمين، فهلا وجد هذا الشعب الصامد فرصة وحيدة لتحقيق عدله الاجتماعي الخاص وسط كل هذا الفساد والظلم وتحيز النظام للأثرياء ورجال الأعمال على حساب الطبقات التي تخطت حتى مُسمّى الطبقات الكادحة وصارت طبقات مُعدمة؟!
- المصدر: الحوار المتمدن
- http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=186686