د.كاتب: الإنترنت أصبحت رقماً يحسب له ألف حساب من قبل وسائل الإعلام التقليدي


فتحت المجال لكل من أراد أن يصبح ناشراً.. ولكن !!

د. سعود كاتب

حوار - محمد الدغيلبي

    الصحافة المطبوعة وجدت لتبقى.. و ظهور وسائل إعلامية جديدة لا يعني انقراض الوسائل السابقة لها أو اختفاءها

يبدو أن الجيل الجديد يأبى إلا أن يكون له إعلام جديد يصنعه ويتابعه بنفسه ولا أدل على ذلك من ثورة المدونات واليويتيوب والتويتر والشبكات الإجتماعية. حيث لم تعد الإنترنت بالنسبة للشباب مجرد بريداً إلكترونياً ومنتديات وغرف محادثة ، لقد أصبحت أداة قوية يوصل من خلالها وجهة نظرة ويعبر فيها عن رأيه بحرية أكبر. حول الإعلام القديم والإعلام الجديد يدور هذا الحوار مع الدكتور سعود كاتب محاضر متخصص في الانترنت والإعلام الجديد في جامعة الملك عبدالعزيز ومدير عام تقنية المعلومات والتدريب والتطوير في إحدى الشركات .

* ماذا نقصد بالإعلام الجديد، وما هو المصطلح الأفضل أهو الإعلام الجديد أم الإعلام البديل؟

- الإعلام الجديد هو مصطلح يطلق على أي وسيلة اتصال (Medium) تم إنتاجها وتوزيعها بواسطة التكنولوجيا الرقمية (Digital). هذا الإعلام الجديد هو في الواقع امتداد للإعلام القديم ذو التكنولوجيا القياسية (Analog).

الإعلام الجديد يتميز بخصائص معينة أهمها أنه إعلام رقمي، متفاعل، يستخدم الوسائط المتعددة (مزيج بين النص والصوت والصورة والفيديو)، أدى إلى اندماج وسائل الإعلام المختلفة وإلغاء الجديد فيما بينها، جعل حرية الإعلام حقيقة لا مفر منها وهو الأساس الذي قام عليه مفهوم العولمة (Globalization).

أنا شخصياً أفضل تسمية «الإعلام الجديد «على «الإعلام البديل «لقد قمت باختيار هذا المصطلح بعد ترجمته من الإنجليزية قبل ثماني سنوات ثم استخدمته عنواناً لكتابي «الإعلام القديم والإعلام الجديد «الذي صدر عام 2002م وهو أول كتاب عربي يتحدث بالتفصيل عن الإعلام الجديد وأول كتاب عربي يستخدم هذا المصطلح.

بالنسبة لمصطلح «الإعلام البديل «فعلى ما يبدو أنه مستوحى من مصطلح «الطب البديل «و(Alternative Medicine) فالطب البديل هو بديل لطب آخر قائم ومعروف وهو لا يستخدم وسائله قبل العلاج بالأدوية الكيميائية كما أنه لا يتعامل مع الجزء المصاب للمريض ولكنه يتعامل مع المريض كوحدة واحدة. كل ذلك لا ينطبق على مفهوم الإعلام الجديد الذي كما ذكرت هو امتداد للإعلام القديم وليس إعلاماً قائماً منفصلاً بحد ذاته، كما أنه ليس بديلاً للإعلام القديم.

* ما أوعية هذا الإعلام؟

- الصحف الإلكترونية، التلفزيون، المدونات، ألعاب الفيديو، اسطوانات ال DVD وال CD، أجهزة الهواتف الجوالة، كل هذه أمثلة لوسائل الإعلام الجديد.

س3/ ما هو تأثير وسائل الإعلام الجديد على الرأي العام؟

إن أحد أبرز خصائص الإعلام الجديد هي السرعة في نقل الخبر والانتشار الكبير، العديد من الجهات بما فيها عدداً من الحكومات الغربية أدركت هذه الحقيقة فعملت على الاستفادة من بعض وسائل الإعلام الجديد مثل (الفيس بوك) لمساعدة الناخبين غير المقربين على اختيار الحزب الذي يتفق أكثر من تطلعاتهم. من ناحية أخرى قامت قناة ABC News بطرح استفتاء على نفس الوسيلة لمعرفة إذا كانت المنافسة بين هيلاري كلينتون وأوباما سوف تلحق الضرر بالحزب الديمقراطي إذا لم تصل إلى نهايتها قبل موعد انعقاد مؤتمر الحزب، حركتي حماس وفتح استخدمتا الإعلام الجديد في الصراع الدائر بينهما، وأنا لا استبعد أن هناك العديد من الجهات تستخدم ذلك الإعلام للتأثير في الرأي العام بطرق عديدة غير مباشرة.

*هل يمكن أن يتحول الإعلام الجديد إلى ما يشبه الصحافة الشعبية وينافس الإعلام المقروء والمرئي؟

- مزايا الإعلام الجديد التي أشرت إليها مثل السرعة في نقل الخبر والانتشار الكبير وانخفاض السعر والقدرة على التفاعل واستخدام الوسائط المتعددة. كل ذلك منح الإعلام الجديد شعبية واسعة ليس كما يتصور البعض عند صغار السن فقط بل ولدى جميع شرائح المجتمع. يكفي القول إن بعض الشبكات الاجتماعية تجاوز عدد مستخدميها المائة مليون مستخدم. إن السؤال لم يعد : هل يشكل الإعلام الجديد منافسة لوسائل الإعلام التقليدي، ولكن السؤال هو ما الذي يمكن لتلك الوسائل عمله لمواجهة منافسة الإعلام الجديد لها. إن نظرة سريعة إلى أرقام توزيع الصحف على مستوى العالم والانخفاض في نسبة إضافة إلى النمو المستمر لنصيب الإنترنت من كعكة الإعلانات. كل هذا يشير بما لا يدع مجال للشك أن الإنترنت أصبحت رقماً يحسب له ألف حساب من قبل وسائل الإعلام التقليدي.

* ما العوائق التي تواجه طفرة الإعلام الجديد في السعودية؟

- العائق الأول هو البنية التحتية التي رغم تحسنها إلا أنها لا زالت تعاني مشاكل خاصة بقدرتها على تغطية كافة المناطق إضافة إلى أن أسعارها لا زالت تعتبر مرتفعة، وأتحدث هنا عن الخطوط الرقمية DSL. هذه الخطوط الرقمية ذات النطاق العريض وفقاً لإحصاءات عام 2007م لا تتجاوز نسبة انتشارها 2.5% من عدد السكان و10.3 من عدد المساكن وهي نسبة ضعيفة للغاية مقارنة حتى بعض الدول التي تقل إمكانيتها عن المملكة بكثير أما نسبة انتشار الحاسب فهي حسب تلك الإحصاءات 21% من عدد السكان وهي أيضاً نسبة متدنية.

هناك العديد من العوائق الأخرى منها ضعف المحتوى العربي على الإنترنت كماً ونوعاً ومشاكل التعريب وتوظيف التقنيات الحديثة من قبل وسائل الإعلام المختلفة، وقدرة المستخدمين على التعامل مع الموجود منها بفاعلية.

* هل يمكن الاعتماد على المدونين في نشر الأخبار والمعلومات، وهل تشكل ظاهرة التدوين تأثيراً إيجابياً في الصحافة المقروءة والمرئية؟

- إذا قلنا إن هناك حالياً ما يزيد على 28 مليون مدونة شخصية حول العالم فإن هذا يعني بالتأكيد الحاجة إلى وقفة طويلة قبل الأخذ بصدقية المدونات من عدمه، إن أحد مزايا الإنترنت هي أنها فتحت المجال لكل من أراد أن يعبر عن آرائه أن يصبح ناشراً بعد أن كانت هذه الكلمة صعبة المنال إلا على القليلين. في اعتقادي أن عدداً قليلاً جداً من المدونين الحاليين يمكن الاعتماد على الأخبار الصادرة منهم. غير أننا يجب ألا ننسى الدور الكبير الذي لعبه المدونون هم المصدر المباشر للمعلومة من قلب الحدث.

لقد وضع هذا الانفجار المعلوماتي مسئولية كبيرة على عاتق مستهلك وسائل الإعلام نفسه والذي ينبغي عليه إمعان النظر في مصدر المعلومة بدقة وبصيرة أكبر قبل الحكم على صحة تلك المعلومة من عدمه.

في اعتقادي أن ظاهرة التدوين تعتبراً أمراً يحمل من الإيجابيات أكثر من السلبيات. صحيح أن كثيراً من المدونات تفقد إلى الالتزام بمعايير العمل الصحفي الأساسية، غير أنها فتحت المجال لكثير من الأقلام والآراء والأفكار الجيدة التي لم تجد طريقها للصحافة المطبوعة لأسباب كثيرة، كما أنها منحت حرية التعبير مزيداً من المساحة خاصة في الدول التي تسيطر فيها الحكومات على رسائل الإعلام وتمنع نشر كل ما يتعارض مع سياساتها وتوجيهاتها.

* إلى أي مدى يؤدي الإعلام الجديد إلى تغيير نمط الإعلام الرسمي أو الإعلام الخاص؟

_ كما سبق أن ذكرت فإن أحد خصائص الإعلام الجديد أنه جعل من حرية وسائل الإعلام أمراً لا مفر منه. وبالتالي فإن على الدول أو وزارات الإعلام التي لا زال لديها أقسام أو إدارات للرقابة أن تقوم بإغلاقها نهائياً حيث لا جدوى منها والاستعاضة عنها بإدارات قانونية وتنظيمية لعملية النشر قادرة على وضع الضوابط بصورة واضحة لا لبس فيها ومحاسبة المتجاوزين بشكل قانوني ومعلن. من ناحية أخرى فقد شكل الإعلام الجديد بمزاياه المختلفة كالسرعة والشعبية الكبيرة عامل ضغط على الحكومات أجبرها في حالات عديدة إلى التراجع عن قرارات اتخذتها. اعتقد أن عصر إغفال الحكومات وعدم اكتراثها بالرأي العام هو أمر في طريقه للتغير بدرجة كبيرة. شكراً للإعلام الجديد..

* هل الصحافة المطبوعة في طريقها للانقراض؟

- كما ذكرت في الكتاب المشار إليه فإني اعتقد أن الصحافة المطبوعة وجدت لتبقى، وأن ظهور وسائل إعلامية جديدة لا يعني انقراض أو اختفاء الوسائل السابقة لها. ولكني لن أناقض نفسي إذا قلت أن الانقراض هو احتمال وارد وقوي ولكنه لأولئك الرافضين للتغيير أو غير القادرين عليه والذين يعتقدون بأن التاج لن يسقط أبداً من على رأس الصحافة كملك متوج لجميع وسائل الإعلام. إن جميع الدلائل والأرقام تشير إلى أن عرش الصحافة قد اهتز بشكل لم يسبق له مثيل بسبب دخول منافسين جدد للساحة وبسبب تغير عادات الجيل الجديد من القراء والذي أصبح يخصص المزيد من وقته أمام شاشة الكمبيوتر أو الفيديو أو التلفزيون.

الحل الوحيد للنجاة يكمن في قيام المؤسسات الصحفية بتعديل الأساليب الإنتاجية والتحريرية بما يتلاءم والتغيرات في التكنولوجيا ورغبات القراء.

* ما المجتمعات الافتراضية؟

- المجتمعات الافتراضية هي عالم آخر في الفضاء المعلوماتي يحاكي ما نفعله في عالم الواقع على الأرض، وأحياناً نفعل فيه ما لا نستطيع فعله على الأرض بسبب القيود المختلفة. هذه المجتمعات الافتراضية اختزلت المسافة بين الناس في كافة أنحاء العالم وحطمت الارتباط بين المكان الجغرافي والمكان الاجتماعي لدرجة يمكن معها الإعلان فعلياً عن موت المسافة.

في هذه المجتمعات كل «مواطن «أو «مواطنة «يخلق لنفسه أسلوب الحياة والمعايير والمعتقدات التي يريدها هو، بينما على مجتمعات الأرض الواقعية نجد أن المجتمع هو الذي يفرض كل ذلك على أعضائه.

وبالتالي فإننا قد نجد كثيراً من التناقض والمعايير المزدوجة لشخص ما أو لمجتمع ما، فنجده يمارس أخلاقيات وسلوكيات معينة على الأرض ويتحرر منها كلياً على الفضاء المعلوماتي داخل المجتمعات الافتراضية حيث لا رقيب ولا حسيب.

* ما الحل لمواجهة التأثيرات السلبية من وجهة نظرك؟

- اعتقد أن التربية الصالحة للأبناء والبنات وتوعيتهم وتثقيفهم باستمرار وبشكل واضح وصريح بالمخاطر المحيطة على الإنترنت هو أمر هام جداً. ولا ينبغي على الوالدين الاكتفاء بذلك بل لا بد أن تكون هناك متابعة مستمرة ورقابة لما يقومون به على الإنترنت.

أما على المستوى الحكومي فإن من الضروري إصدار قوانين وتشريعات حازمة وصارمة تتعامل مع المشكلة برمتها وليس كل حالة على حده. هذه القوانين ينبغي الإعلان عنها في المدارس والجامعات وعبر وسائل الإعلام المختلفة بما فيها الإنترنت لا بد أن يكون هناك قوانين رادعة لجميع جرائم الإنترنت بما فيها التحرش والتشهير والإغراء ومحاولة الاتصال بالقاصرين والقاصرات .. سؤال مطروح هو لماذا لا يتم إنشاء إدارة أو قسم تابع للجهات الأمنية على درجة من العلم والمعرفة والخبرة بالإنترنت وتطبيقاتها، تكون مهمته القيام بجولات في الفضاء المعلوماتي ليس بغرض المراقبة الشخصية أو تتبع الخصوصيات، ولكن بغرض حماية الناس الموجودين بكثرة هناك وخاصة صغار السن. هذا القسم يمكن أن يوظف الكثير من الفتيات السعودية المؤهلات أيضاً.

* هل هناك إضافة أخيرة؟

_ الإضافة هي الإنترنت عموماً وشبكاتها الاجتماعية هي نعمة ووسيلة تعليمية جبارة أدرك أهميتها رؤساء دول ورجال سياسة ودين وثقافة واستخدموها بطرق فاعلة وإيجابية. وعندما يسيء البعض التصرف على تلك الوسيلة فإن من المفترض توجيه اللوم إلى أولئك الأشخاص وليس إلى الوسيلة المستخدمة، بل على العكس أنا أدعو وأتمنى أن أرى مزيداً من الاستخدام الإيجابي لتلك التطبيقات الجبارة وضعت بين أدينا وتسخيرها لخدمة قضايانا وأهدافنا بالشكل السليم.

إرسال تعليق

أحدث أقدم